مراجعة لكتاب " ملف تحوُّلات اسرائيل في عالم متغيِّر " للكاتب الفلسطينيّ ماجد الكيالي

غلاف الكتاب


صدر هذا الكتاب عام 2013م عن مركز  الأبحاث الفلسطينية في رام الله ، للكاتب والباحث الفلسطيني المتميِّز " ماجد الكيالي " ، ويقع الكتاب في حوالي 100 صفحة .
يُحاول الكاتب في هذا الكتاب صغير الحجم عظيم القيمة أن يرصُد المتغيّرات التي انتابت اسرائيل في ظل التحولات التي يمُر بها العالم بشكل عام والعالم العربي بمايمر به من ثورات الربيع العربي بشكل خاص . ويتكوّن الكتاب من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة عن مآلات اسرائيل وفكرتها .
خصص الباحث الفصل الأول من الكتاب للحديث عن " العوامل التي تميز اسرائيل عن العالم العربي وتجعلها متفوقة في الوقت الحالي"، وكان من بين تلك العوامل :
1-    طبيعة نظامها السياسيّ الديمقراطي ( بالنسبة لمواطنيها اليهود فقط ) : الفصل بين السلطات والتعددية السياسية ، مع القدرة على توجيه أزماتها إلى الخارج – زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات الاسرائيليّة ، فتبلغ نسبة المشاركة في الانتخابات الاسرائيلية حوالي 80% ، بالاضافة إلى زيادة نسبة المشاركة في النشاطات الحزبية .
2-    ادارة الموارد البشرية : تُعوِّض اسرائيل عدد سكانها القليل ومساحتها الجغرافية الصغيرة بنظرتها إلى الفرد باعتباره قيمة عليا ،وهو مايترتب عليه اتاحة الفرص والمساواة أمام القانون والارتقاء بالتعليم وتنمية الموارد البشرية ، وجذب الاستثمار .  
3-    ارادة الاجماع : فيعمل النظام السياسي الاسرائيلي على أساس التوافق بين معظم التيارات ، وعدم استفراد طرف مابعرض أجندته ورؤيته على الدولة والمجتمع من دون اجماع مناسب .
4-    التوحُّد ازاء التحديات الخارجية : تحرص اسرائيل على تجاوز الخلافات الداخلية في حال ظهور نوع من حظر خارجي يتهددها .
وكل المميزات المذكورة أعلاه هي بالضبط ماينقُص أنظمتنا العربية ويُشكِّل نقطة ضعفها . فاسرائيل وصلت إلى مكانة تجعلها بين الدول ال 15 الأولى في العالم على صعيد دخل الفرد .
ولكن على الصعيد الداخلي فشلت اسرائيل في صهر اليهود من مختلف منابتهم ومازالت تعاني من مظاهر الانشقاق بين الجمهورين العلماني والمتدين وبين الشرقيين والغربيين .
كما أن اسرائيل أخذتها رياح النيو ليبرالية المتوحِّشة ، فخصخصت قطاعاتها العامة وهمّشت مؤسساتها الكبرى " الهستدروت والكيبوتسات والموشاف " .
وثمة عوامل عدة ساهمت في احداث تغييرات مهمة في اسرائيل من ضمنها : انتهاء دور كيانات مثل " المنظمة الصهيونية العالمية " و"المؤتمر اليهودي العالمي " ، و"الوكالة اليهودية " بعد اقامة اسرائيل – تغيُّر التركيبة الخاصة بالمجتمع الاسرائيلي بعد أن كان مجتمع مهاجرين أضحى 70%من المجتمع من مواليد فلسطين ، إلى جانب قدوم حوالي مليون يهودي من روسيا في عقد التسعينيات – تصاعُد نفوذ التيارات الدينية – معضلة العلمانية الاسرائيلية – تأثيرات العولمة وثورة الاتصالات والمعلوماتية ومانتج عنها من العادات الاستهلاكية والروح الفردية و"الأمركة " – انحسار مناخات الصراع العربي الاسرائيلي وهو مامكن اسرائيل من العيش في إطار واقع من احتلال مريح ومُربِح – العلاقة الخاصة التي تربط اسرائيل بالولايات المتحدة – صعود تيار ثقافي اسرائيلي عُرِفَ بتيار " مابعد الصُّهيونية " نشأ بين الأكاديميين والمثقفين الاسرائيليين .  
أما الفصل الثاني من الكتاب فقد خصصه الباحث للحديث عن " اسرائيل ومُعضِلة التسوية " ، معرباً عن تفضيله لمصطلح التسوية باعتباره أكثر دلالة من مصطلح " السلام " على مضمون العملية السياسية الجارية بين الفلسطينيين والاسرائيليين منذ عقدين . ويقول أن هذه التسوية دائماً ماتأتي مفروضة من الخارج  . ويُقسّم الكاتب دوافع عملية التسوية بالنسبة إلى الجانب الاسرائيليّ إلى قسمين : الأول يتعلق بالدوافع الخارجية : ويتمثّل في توجُّه الولايات المتحدة نحو إقامة نظام إقليمي جديد في المنطقة يُمكنها من تعزيز سيطرتها عليها ، ومن الصعب تحقيق ذلك دون نزع فتيل الصراع العربي الاسرائيليّ . ومن الدوافع الخارجية أيضاً : المتغيرات الدولية والاقليمية الحاصلة منذ مطلع التسعينيات المتمثلة بانتهاء عالم القطبين وانهيار الاتحاد السوفيتي وتداعيات حرب الخليج الثانية ، وهو مامثل فرصة سانحة لاسرائيل لتمرير اشتراطاتها بشأن عملية التسوية . والقسم الثاني من الدوافع يتمثل في الدوافع الداخلية : وأهم تلك الدوافع هي صمود الفلسطينيين ومقاومتهم وانتفاضاتهم ضد الاحتلال، وهي المقاومة التي فضحت ادعاءات اسرائيل بالديمُقراطية .  
وتضمّن هذا الفصل كذلك اشكاليات عملية التسوية ومنها : ارتباط عملية التسوية بضرورة تحديد اسرائيل لحدودها وهويتها ودورها في المنطقة – الطابع السياسي والتاريخي الملتبس للدولة العبرية ، فهذه الدولة لم تنشأ نتيجة للتطور الطبيعي للمجتمعات بل بفعل عمليات الهجرة الاستيطانية الاحلالية إلى فلسطين وبفضل عوامل القوة والهيمنة – كما أن الصراع العربي الاسرائيلي لايقتصر على الجوانب العسكرية وإنما على الرموز والرواية التاريخية والثقافة والمعتقدات الدينية .
ويختتم الفصل بالحديث عن الانقسام الاسرائيليّ وعن معضلة التسوية ، فعملية التسوية أدت إلى انقسام اسرائيل على نفسها بشأن قضية مساحة الأراضي التي يمكن الانسحاب منها ، والمستوطنات والحدود والدولة الفلسطينية . أما عن معضلة التسوية فإن اسرائيل تنظر حولها فلاتجد مايضغط عليها ، بل إنها تجد قابلية لهضم شروطها وتملُّصاتها في ظل تفرُّق النظام العربي وشدة وهنه ، ولهذا أوضح نتنياهو مراراً وتكراراً أن الحفاظ على اسرائيل القوية أهم من عملية التسوية . لقد لقي حوالي 150 اسرائيلياً مصرعهم خلال الأعوام من 2005 حتى 2009 ، وهذا العدد يبلغ حوالي ثلث عدد الاسرائيليين الذين لقوا مصرعهم في عام واحد فقط هو عام 2002 ، وهو مايؤكد انحسار عمليات المقاومة من الضفة ومن غزة أيضاً . وفي ظل أوضاع الانقسام الفلسطيني الفلسطيني باتت اسرائيل تحاصر قطاع غزة وتتحكم بالسلطة في الضفة وتُقِيم المزيد من المستوطنات .
أما الفصل الثالث فقد خصصه الباحث للحديث عن الولايات المتحدة وعلاقتها باسرائيل ، وبيّن فيه أن هناك وجهتي نظر  في اسرائيل بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة ، الأولى تعتبر أن اسرائيل مدينة للولايات المتحدة بوجودها ، والثانية تعتبر العكس أي أن الولايات المتحدة هي المدينة لاسرائيل . وتحدث في هذا الفصل عن المساعدات الأمريكية العسكرية لاسرائيل والتي تبلغ ثلاثة مليارات دولار سنوياً . أما عن المساعدات التي تلقتها اسرائيل من الولايات المتحدة فتقدر بحوالي 234 بليون دولار منذ قيام اسرائيل حتى الآن . كما أن اسرائيل لاتعرف كيف تقاتل في حروب طويلة دون قطار جوي أمريكيّ .
ورغم ذلك فالعلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة لاتتعلق بمؤامرة ما،وإنما بحسابات سياسية واضحة ومكشوفة . وفي كل الأحوال يعتقد الكاتب أن التجربة أثبتت أن اسرائيل تخضع سياستها لمتطلبات الإدارة الأمريكية ، وهي التي تحسب حساب الولايات المتحدة الأمريكية وليس العكس . فاعتماد اسرائيل على الولايات المتحدة بمثابة اعتماد وجود ، بينما الاعتماد الأمريكي على اسرائيل هو اعتماد مصالح .       
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط ومشاكله يعتقد عدد من المحللين بأن الادارة الأمريكية تتجه شيئاً فشيئاً نحو انتهاج سياسة اللامبالاه لقضايا الشرق الأوسط بسبب قدرتها على الاستغناء عن نفطه في القريب العاجل .
أما الفصل الرابع والأخير في الكتاب فيتناول الثورات العربية وتأثيراتها على الصراع ، وفيه أبان الكاتب أن الثورات العربية سهّلت على اسرائيل محاولاتها ترتيب أوضاعها وتعزيز مكانتها والترويج لاعتبارها الحليف الموثوق والأكثر استقراراً للولايات المتحدة والغرب ، إلى جانب استغلال مناخات الثورات لاستدرار تعاطُف الغرب معها باعتبارها معرّضة للتهديد من الجوار العربي المعادي . وجاءت الثورات أيضاً في مصلحة اسرائيل فقد ساد الشعور في اسرائيل بأن الدول العربية ستنشغل في المدى النظور بترميم أوضاعها الداخلية مايجعلها في وضع مريح من هذه الناحية . كما أن الثورات العربية أضعفت الجيوش في البلدان العربية لاسيما مصر وسوريا ، فلم تعُد تشكل أي تهديد لاسرائيل في المدى القريب على الأقل .
إلا أن السلبيات الخاصة بالثورات العربية التي ذكرها الباحث لم تجعله يتجاهل الخسائر التي جنتها اسرائيل من هذه الثورات ، ومنها :
1-    ادخال الثورات العربية مجتمعاتها في السياسة بعد أن كانت اسرائيل تدّعي فرادتها كدولة ديمقراطية في المنطقة .
2-    هذه الثورات التي غيّرت بلدانها ، من المتوقع منها أن تحدث تغييرات في طبيعة تفاعلات القوى الإقليمية في هذه المنطقة . وبالنسبة لمصر، فإن استعادة دورها ومكانتها الإقليمية في المدى المُستقبليّ سيُسهمان في لجم عدوانية اسرائيل وتحجيم مكانتها .
3-    قوّضت الثورات العربية الصورة التي روّجتها اسرائيل عن نفسها باعتبارها واحة للديمقراطية في الشرق الأوسط المتخلف .
4-    كشفت الثورات العربية اسرائيل على حقيقتها باعتبارها دولة استعمارية وعنصرية وعدوانية ودينية وبمثابة ظاهرة رجعية في المنطقة . وكشفت عن تآكل العلمانية في اسرائيل حتى عبّر عن ذلك " ايتان هابر" بقوله " العرب صاروا يهوداً واليهود صاروا عرباً " .
واختتم ماجد الكيالي كتابه بخاتمة وافية عن مآلات اسرائيل وفكرتها ، أوضح فيها أن آباء الحركة الصهيونية كان ظنُّهم أنهم بإقامة اسرائيل يقومون بحل المسألة اليهودية ، ولم يخطُر ببالهم أن هذه الدولة ستخلق معها العديد من المشاكل الأخرى من ضمنها : المسألة الاسرائيلية ( اليهود في اسرائيل وخارجها ) ، والمسألة الفلسطينية ( نكبة الشعب الفلسطيني ) ومسألة علاقة اسرائيل بمحيطها العربيّ . وغيرها من المسائل الأخرى مثل "تديين الصهيونية " ، و"نضال عرب 48 ضد التمييز ضدهم ، ومسألة ضيق الدول الغربية بسياسات اسرائيل ، ومسألة تحوُّل مركز الاهتمام الأمريكيّ إلى نصف الكرة الشرقيّ ، والتطورات العلمية والتكنولوجية المتعلقة بايجاد بدائل للطاقة .

ولاشك أن ماجد الكيالي في هذا الكتاب صغير الحجم قد انطلق من رؤية واسعة ومتعمقة في الواقع الاسرائيليّ الحالي ، ووضع يده على الكثير من المتغيّرات في هذا الواقع بعيداً عن أي رؤية متعصّبة أو ذاتيّة .وقد استمتعت بقراءة هذا الكُتيّب ، وأنصح الممهتمين بالدراسات الاسرائيلية بشكل عام ، والمعنيين بالشئون السياسية الاسرائيليّة على وجه الخصوص ، أن يقرأوا هذا الكتاب لعله يُوضّح لنا المشهد السياسي والاجتماعي الراهن في اسرائيل ، ويفيد في صنع القرار العربيّ .   
الباحث والكاتب المتميز ماجد الكيالي 
رابط الانتقال لقراءة كتاب " ملف تحولات اسرائيل في عالم متغير " لماجد الكيالي : 

تعليقات

المشاركات الشائعة