مراجعة للنوفيلا " سفر " للأديب الاسرائيلي " يائير أسولين "

مراجعة للنوفيلا " سَفَرْ " للأديب الاسرائيليّ " يائير أسولين "
صدرت هذه النوفيلا عام 2011 عن دار نشر " حرجول -חרגול " وتقع في 102 صفحة ، وهي أول عمل أدبي منشور للأديب الاسرائيليّ " يائير أسولين " بعد أن نشر عدة قصائد في منابر أدبية مختلفة ،وحصل بسبب هذه النوفيلا في العام نفسه " 2011 "  على جائزتين ، الأولى جائزة "سابيرספיר " التي تُمنح لأفضل باكورة إبداع في اسرائيل ،والثانية جائزة " وزيرة الثقافة للكتاب الأولשרת התרבות לספר ביכורים " .
و" يائير أسولين " هو كاتب شاب من مواليد حيفا عام 1986 ويعيش الآن في القدس، ودرس في اليشيفا ، ويدرس حالياً الفلسفة والتاريخ في الجامعة العبرية بالقدس ، وهو ابن لعائلة تابعة للتيار الديني القوميّ أو لابسي " القبعات الملوّنة " وهو التيار الذي يعتبر الخدمة في الجيش إخلاصاً للدين اليهوديّ واستجابة للأمر الالهيّ " بالدفاع عن الوطن "להגן על המולדת  .
ويقول " أسولين " عن هذه النوفيلا أنها تتضمّن عناصر من سيرته الذاتيّة ومارآه في الجيش ، فقد خدم في صفوف " النحال " ثم انتقل إلى" الإحتياط " ، وأنه كتبها أثناء وجوده في منهاتن  بألمانيا ، حيث قام هناك بتدريس الفلسفة اليهوديّة للأقلية اليهودية لمدة عام ، وهناك في ألمانيا بدأ يلتفت إلى ذاته وإلى هويته الاسرائيليّة . ويقول أنه يحب قراءة "جان بول سارتر" و" برنارد شو ".
وتتمحور الحبكة حول مونولوج طويل لبطل النوفيلا – الذي هو انعكاس لشخصية الكاتب المنتمي للتيار الدينيّ القوميّ – الذي يبلغ من العمر 19 عاماً ، وهو جندي صغير متديِّن من مرتدي "القبعات الملونة" يذهب مع أبيه في سيارته إلى محطة الصحة النفسية التابعة للجيش ، وهو يريد الذهاب إلى هناك لأنه لايستطيع تحمُّل الخدمة العسكرية في الوحدة التي يخدم بها. فكل شئٍ من حوله قبيح : الأسوار الخرسانية الضخمة التي تُحيط بالوحدة وطُرُقها التي تستحيل وحلاً بعد هطول الأمطار ، المكاتب الخنيقة ، والظّبّاط الخِشان ، والجنود الحمقى والمتلوّنين . لدرجة أن البطل يرى أنه لم يعُد له صديق سوى الموت لأنه واقع في أزمة نفسيّة لاحل لها إلا الموت بأي شكل من الأشكال . إنه يرفض التنازل عن حريته وشخصيته من أجل الانصياع للمؤسسة العسكريّة ، وهو مايُمثِّل تمرُّداً على القيم الخاصة بالتيار الديني القوميّ في اسرائيل الذي يعتبر الخدمة العسكريّة واجباً دينياً قبل أن يكون وطنيّاً ، ويؤمن بأن " التهرُّب من التجنيد " فكرة لاتُحتمل ، وكذلك والد البطل الذي تمثِّل الكلمات " الصحة النفسية" بالنسبة له فشلاً ذريعاً ، ورغم ذلك هو من يرافق ابنه بسيارته إلى محطة الصحة النفسيّة بعد حصّة من البكاء المرير .
إن الكاتب ينتقد المجتمع الديني القوميّ الذي يعتقد أن واجب الخدمة في الجيش الاسرائيليّ أمراً لايمكن رفضه ،حتى بدت ملابس الجيش كمالوكانت ملابس للكهنة . ويقوم الكاتب بذلك عبْر بطل النوفيلا الذي يُحاول الهروب من الخدمة العسكرية ومن وطأتها الثقيلة من خلال الاتصال الهاتفي بأصدقائه وعائلته أو بقراءة المزامير في الكنيس المُلحق بوحدته العسكرية . إن الجيش الاسرائيليّ يُجبر أفراده على التنازل عن شخصيتهم. أما بطل هذه النوفيلا ، فلم يكُن على استعداد لتقبُّل ذلك ، حتى أنه يقول في تضاعيف النوفيلا أنه ينتابه نفس الشعور الذي ينتاب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال وتحت السلطة العسكرية ، فهو لايستطيع أن يأكُل قطعة حلوى دون استئذان ، فيقول :
" أنا يساريّ ، لابُد وأن أكون يساريّاً .. أنا نفسي تحت سلطة عسكرية تماماً مثل هؤلاء الفلسطينيين .. وأحياناً يتركونني فريسةً للمعاناة ، ويتعاملون معي ببلادة وبقسوة " ( صفحة رقم 63 من النوفيلا ).
وبالفعل ، في ثنايا النوفيلا يتم تحويل البطل إلى ظابطة الصحة النفسية " קב"ן " التي أعفته من الخدمة العسكرية تحت ذريعة إصابته بمرض الربو .    
  وينجح أسولين في إدخال القارئ مباشرة في عالم البطل وأن يتحدّث بلسانه وفؤاده ، وأن يغرس في القارئ الشعور بأنه لايقرأ نوفيلا وإنما " مُذكِّرات " خاصة بجنديّ متديّن واقع في أزمة نفسيّة كبيرة .
وفي الختام ترجمت هنا جزءاً من مونولوج لبطل النوفيلا يُعبِّر فيه عن تنازُع رغباته كانسان يُريد أن يُحب ويأكُل وينام ويقضي حاجته مع الأوامر العسكرية القاسية التي يرفُضها :
" أنا أيضاً كنت حاسماً عندما تحادثنا على شاطئ البحر ، أنا أيضاً استخدمت كلمات جميلة وتحدّثت عن " الحب " ، وعن " التعاطي مع الأزمات " ، و" عما يجب " و " مالايجب " . لكن في ذلك الصباح عندما سافرت مع أبي ، وجلست بجواره في السيارة ملتصق الركبتين كالطفلة التي تريد الذهاب إلى الحمّام ، احتقرت نفسي على ذلك الحسم ، وفي الأساس على استخدامي للأقوال المُبتذلة . فسألتها : " إذا كنا بالفعل نتبادل مشاعر الحب فعلينا أن نكُف عن ذلك ، أليس كذلك ؟ " ، " كيف يمكن الفُراق بعد الحب ؟ هل في كل مرة عندما يكون الأمر صعباً سنفترق ؟ فهناك دوماً حالات تشبه تلك الحالة في الحياة ، مثل الجيش . وإذا كنتي تحبينني كماتقولين ، فلابد لنا أن نستمر . علاوة على ذلك ، فكل الناس تمر بهذا الأمر ، أليس كذلك ؟ إذاً ما الخطب ؟ هل كل من يذهب إلى الجيش عليه أن يتنازل هكذا ببساطة عن كل شئ ؟
فكّرت وقتها أثناء السفر : ماهذه الغطْرسة ؟ أتحدّث عن الجيش كمالوكنت أتحدّث عن شئ معروف ، ومعلوم  ، شئ " يمر به كل الناس " . هل بالفعل مررت ذات مرة بشئ مثل الجيش عندما قلت لها هذا الكلام ؟  وبّخت نفسي ، ووجدت سلواني في شقة برتقال قدّمها لي أبي أثناء السفر ، وفي وجهه الذي - بعيداً عن خيبة الأمل والحزن المرسومة عليه - كانت به خطوط معروفة للحب . هل مررت أبداً بحالة كهذه أو حتى تشبهها ، تلك الحالة التي لاتوضع إرادتك فيها في الحسبان ؟ الحالة التي يقولون لك فيها ماذا تفعل ، متى تأكل ومتى تنام ، ومتى تركُض ، ومتى تتحدث في الهاتف ، بل ومتى يُسمح لك أن تتبرّز وتتبوّل ؟ !
أتذكّر الآن شهري الأول في الجيش ، في معسكر المستجدّين ، عندما سافرت في الأوتوبيس مع رقيب فصيلتي ، ولم أعرف وقتها إن كان مسموحاً لي أن آكل قطعة حلوى كانت في جيبي أم لا ، لأنهم قالوا لنا أنه ممنوع أن نأكل شيئاً دون استئذان ، حتى ولو قطعة حلوى . أتذكّر كيف كنت متردّداً لوقتٍ طويل خشية أن يراني وأنا آكلها ، وماذا سيحدُث إذا رآني . ورغبتي في السلوان بقطعة الحلوى مع الخوف من العقوبة التي تنتظرني إذا ضبطني وأنا آكلها دون استئذان ، جعلاني أسأله إذا كان مسموحاً لي بذلك أم لا . أسمعُ صوتي المُتهدِّج الذي لايُدرِك أن هذا الرقيب أكبر مني بقليل ، وأنه هو أيضاً جنديّ يريد أن يُنهي خدمته العسكرية ويعود إلى سابق عهده انساناً طبيعياً . سألته " أيها الرقيب ، أيُمكنني أن آكل قطعة حلوى ؟ " ، فأجابني على الفور بصوته الأحنف الحازم : " لا ، لماذا تأكُل ؟ " . وأنا أعاود التفكير في الغطرسة التي كانت بي قبل التجنيد ، وفي هذه الثقة التي لم يكن لها أي أساس ، وربما في كبت الأمر الذي في طريقه للحدوث ، ومرة أخرى يملأ فؤادي الشعور بعار الفشل " .
يائير أسولين كاتب النوفيلا - من مواليد حيفا 1986 


غلاف النوفيلا ، وعليه صورة يائير أسولين وهو في الخدمة العسكرية 

تعليقات

المشاركات الشائعة