ترجمة لقصة قصيرة بعنوان " كيف سميت قرية الخوالد بهذا الاسم " للأديبة الاسرائيلية " سارة كاربانوس "

كيف سُمِّيت قرية الخوالد بهذا الاسم ؟
" ساره أهارونوفيتس كاربانوس " 

-         " ألاترغبين في التنزه ؟ " .
هكذا تسائل مويشه مبتهجاً وهو يُدندن لحناً شهيراً ؛ فقد عرف مويشه الدندنة والتمتمة بألحانٍ من بيت والديه .
لقد هاجر والدا مويشه من بولندا ، أو بالأحرى كانا هما الناجين من كل عائلته التي لقت مصرعها في محارق النازي المميتة في الحرب العالمية الثانية .
وأقام مويشه هو وزوجته في منزلٍ متواضع في حي " دانيا " بحيفا .
-         " نعم " .
 هكذا جاءه الرد السعيد من زوجته دفويرا ، وسألته من باب العادة : " الى أين سنذهب اليوم ؟ " . وهي لم تسأله لأنها تود بالفعل أن تعلم الى أين سيذهبان ؛ بل اعتمدت عليه طالما أن زوجها – الذي يحب التنزه وسط الطبيعة الخلاّبة – لم يكن هناك حجراً أو شجرة الا ويعرفها .
فأجابها :
-         " هناك قرية تمنيت دوماً أن أزورها ؛ اذ كل يوم أمر بجوارها وأنا في طريقي الى المنزل عند التوجّه من مفترق سوميخ ناحية مفترق ياجور " .
ثم واصل مويشه دندنته ولكن هذه المرة للحنٍ آخر شهير .
عرفت زوجته أن الوقت الذي يتيحه لها زوجها للتهيُّؤ وقتاً قصيراً ، لذلك أسرعت في اعداد الشطائر والمشروبات والفواكه والقبعات والمكسرات التي يفضلانها . ثم صرخت من المطبخ :
-         " مويشه ! أنا مستعدة ، وأنت َ ؟ " وفي الخلفية تُسمَع أصوات أبواب دواليب المطبخ التي تُوصَد وغسالة الأطباق التي تُصدِر لحنها الرطب .
فأجابها الزوج وهو يُحرِّك موتور السيارة :
-         " انتهى الأمر ، هيّا سنخرج ! " .
رويداً رويداً تركا حدود المدينة العابسة ببيوتها العالية التي حجبت خط الأفق ووصلا الى الحقول الواسعة حيث اللون الأخضر الذي يشرح الصدور ويُبهِر العيون . ثم توجّها نحو الشمال الشرقي . وبعد مايقرُب من نصف ساعة من السفر بدأت سيارتهما القديمة تُصْدِرُ أصواتاً مزعِجةً وغريبة .
أبطأ مويشه السيارة وركنها على جانب الطريق ، ثم نزل ليتفحّص الموتور . وقال رافعاً عيناه الى السماء الصافية :
-         " دفويرا ! يبدو أننا وقعنا في مشكلة ، فقد توقّف الكربوراتور عن العمل ، والمحرِّك يغلي ، وعليّ الآن أن أستدعي عربة لجر السيارة ، ياويلاه ! " .
 قال مويشه الجملة وتبدو في صوته نغمة يأس ؛ اذ أدرك أنه سيضطر لقضاء السبت في المنزل وليس في حضن الطبيعة كما اعتاد في كل سبت .
وقرر مويشه أن يتصل بخدمات الجر . فلم يجبه أي مكتب من المكاتب التي اتصل بها عدا مكتبٍ واحد أعطاه رقم هاتف ليتصل به .
فقال مويشه وهو يتقدم نحو زوجته ضاحكاً :
-         " أتسمعين يادفويرا ؟ ! لقد أعطوني رقم هاتف وقالوا لي اتصل بقرية الجيفالد " . وأمسك مويشه بطنه التي اهتزّت من ايقاع ضحكه .
فقاسمته دفويرا الضحك ، ولم يعُد لديهما الا انتظار عربة الجر .
لقد كان مويشه ودفويرا مندمجين فعليّاً في المجتمع الاسرائيليّ العصريّ ، وكانت العبريّة رائجةً على ألسنتهما ، الا أنهما لم يهجُرا لغة الييديش على الاطلاق. فقد كان هذا هو مسلكهما للحفاظ على الثقافة التي ورثوها من بيت عائلتهما في بولندا البعيدة . ودائماً ما يتبادلان القصص والنكات باللغة الييديشية .
كان مويشه مُعلّماً للغة . وكلمة " جيفالد " باللغة الييديشية تعني " ياويلاه ! واغوثاه ! " وهي تقال رداً على عملٍ جسيم ، وهذا هو السبب في أن اسم القرية أضحكهما حتى سالت منهما الدموع .
وتسائلا وضحكا ثانيةً وهما يمسحان الدموع :
-         " ماذا حدث في هذه القرية وكان بهذه الجسامة حتى يعطونها هذا الاسم ؟ " .
 ولم تمر بضع دقائق حتى وصلت عربة الجر ، وبدأ السائق يربط سيارتهما بعربته .وشرع كلاهما في رحلة اتجاه القرية ؛ حيث سيقصدان من هناك تاكسي أو سيارة بديلة توصلهما الى المنزل في حيفا .
وفور وصولهما الى القرية دعاهما السائق ليستريحا في بيته حتى يتم اصلاح السيارة . في بداية الأمر مالا للرفض ، ولكن في النهاية واثر الالحاح المتكرر من جانب السائق  قررا الموافقة . وفجأة وبقدرة قادر ظهرت القهوة وقطع البقلاوة . وجلست أمامهما على الأريكة " أحلام " زوجة السائق ، واستغرقت معهما في حديثٍ مُثير .
وفي خضم الحديث قصّت لهما أحلام أنه كان لوالديها أصدقاء طيبون أقاموا في يافا بجوار اليهود . وقالت مبتسِمةً :
-         " في تلك الفترة حكى لي والداي أن العرب واليهود عاشوا في سلامٍ وكانت العلاقات بينهما طيبة الى أقصى حد ؛ بل وكانوا يساعدون بعضهم البعض اذا احتاج الأمر " . ثم دعتهما الى شرب القهوة مرة أخرى .
لقد طال وقت اصلاح السيارة ، وقامت أحلام وذهبت الى المطبخ وأحضرت معها قوارير صغيرة مليئة بما لذّ وطاب من الخبز الشامي والمشروبات السريعة .
ثم سأل مويشه باهتمام مُضيِّفته اللطيفة وهو يُقرطم البوتيفور الذي يسيل منه ماء العسل والورد:
-         " ماهو الاسم الدقيق لهذه القرية  ؟ "
فأجابت ببساطة :
- " لقد أراد مؤسسو القرية أن يدعونها باسم جيفالد "
فرفع مويشه رأسه في ضحكةٍ غامرة وقطعة البوتيفور لاتزال في فمه ، ثم سأل :
-         " لماذا أرادوا أن يدعونها باسم ييديشي ؟ " وأكّدت زوجته على كلامه .
فأجابت أحلام مبتسمةً :
-         " افهما !  فقبل أن يصلوا الى هنا ، كان لمؤسسي القرية أصدقاءً أقاموا في يافا لسنواتٍ طويلة بجوار اليهود ، ولم يعرفوا العبرية أو العربية وتحدّثوا معهم فقط بالييديش " .
وفي غضون ذلك انضم اليهم زوجها الذي أتم اصلاح السيارة ، وتسائل وهو يُجفِّف يده بخرقةٍ :
-         " عمّا تتحدّثون ؟ " .
 ثم جلس هو الآخر على الأريكة بجوار زوجته .
فأجابته أحلام بابتسامة :
-         " انهما يريدان معرفة السبب في تسمية قريتنا بالاسم جيفالد وهي كلمة ييديش " ، وبدأت هي الأخرى تكتم ضحكاتها.
فشرح لهم علي متسامحاً مبتسماً :
-         " لقد أقام أصدقاء والداي هم أيضاً في يافا . وعندما اضطروا لترك يافا ووصلوا الى أراضي الجليل ، ساعدوا مؤسسي قريتنا في البحث عن اسمٍ لها يُخلِّد العلاقات الطيبة التي سادت بينهم وبين اليهود لسنواتٍ طويلة . ان معنى كلمة " الخوالد " هو " الخالدين " . لقد كان أصدقاء والداي دائماً مايقُصُّون لنا أنهم اعتقدوا بأن اليهود عندما قالوا " جيفالد " كانوا في الحقيقة يقصدون الصداقة الرائعة التي نشأت بينهم ، لأنهم ظنّوا أنها ستصمد للأبد ؛ لذلك قرروا استخدام الكلمة التي سمعوها مراتٍ ومرات من أصدقاء والديهم  وبدت مشابهة لكلمة " الخوالد " العربية التي تعني " الخالدين " ؛ اذ اعتقدنا أن هذا هو أيضاً معنى كلمة  جيفالد " .
وبهذا أنهى عليٌّ شرحه العويص والمُبسّط جداً في نفس الوقت بالنسبة له .


وهكذا بفضل علاقات الجوار الطيبة بين اليهود والعرب في الحي القديم بيافا ، نشأت القرية التي كانت هي الوحيدة في يوم السبت هذا التي قدّمت المساعدة لزوجين يهوديّين تعطّلت سيارتهما . 


تعليقات

المشاركات الشائعة