مراجعة لكتاب اغتراب الشخصية اليهودية في الأدب العبري الحديث لد/أحمد حماد

غلاف الكتـــــــــــــــاب

الكتاب للأستاذ الدكتور/أحمد حماد أستاذ الأدب العبري الحديث بجامعة عين شمس، والباحث المخضرم في الدراسات الاسرائيلية، ويقع الكتاب في 344 صفحة، وصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2012 م.
ينقسم الكتاب إلى مقدمة ومدخل وستة موضوعات رئيسة، الموضوع الأول: عن الأدب العبري الحديث مفاهيم أساسية. الثاني: الأدب العبري والاغتراب، الثالث: الإغتراب الديني في الأدب العبريّ، الرابع: الاغتراب وأزمة البحث عن الذات، الخامس: اغتراب العزلة في الأدب العبري، السادس : كراهية الذات في الأدب العبري .
في المقدمة يؤكد الكاتب أن هذه الدراسة ليست متخصصة في الاغتراب، لكنها تستخدمه لدراسة انعكاساته على تشكيل الشخصية اليهودية كماتجلت في الأعمال الأدبية العبرية. فاليهود يشكلون عبر التاريخ ظاهرة دينية /اجتماعية منفصلة عن الاجماع الانساني من خلال ترسُّخ مفاهيم "الاختيار " و"الاصطفاء" وبالتالي التعالي عن الآخر "الدوني"، وبالتالي كان لابد من وقفة عند ظاهرة الاغتراب في الأدب العبري الحديث.
وبعد عرضه لمفهوم الاغتراب وتطوره في المجالات الفلسفية والنفسية وغيرها، استعرض الكاتب وجهيْن للشعور بالاغتراب يبدوان ضروريان لفهم طبيعة الشخصية اليهودية/الاسرائيلية، وهما : البعد الداخلي في الذات "الانسان الغريب عن ذاته"، والبعد البيشخصي "الآخر "، "الغريب" و"كبش الفداء".
وفي المدخل، عرض الكاتب لاشكاليات أساسية تواجه الدراسة، وضع تعريفات ضرورية من ضمنها المصطلحات : اليهودية – الاسرائيلية- الصهيونية – العبرية.
وفيه عرّف أيضاً الاغتراب بأنه " رغبة الانسان في الانفصال اجتماعياً وفكرياً ونفسياً عن المعايير والقيم السائدة " .وفي البحث عن الاغتراب في الفكر اليهوديّ وجد الباحث أن الاغتراب اليهوديّ اغتراباً مَرَضِيّاً وليس انسحاباً مؤقتاً لتقييم الذات ومواقفها من الحياة ، وبالتالي فهو الشق السلبي من الاغتراب .
في الموضوع الأول"عن "الأدب العبري الحديث مفاهيم أساسية" تناول الكاتب مفاهيم أساسية في الأدب العبري الحديث، وأوضح أن هذا الأدب من أهم سماته أنه لم يكن أبداً أدباً مستقلاً، وكان مرتبطاً بالحركات الأدبية والمتغيرات الإجتماعية في المجتمعات الأوربية التي عاش اليهود فيها باعتبارهم أقلية دينية، فكان دائماً يغيّر لونه كلما حدث تغيُّر في لون الأدب الأوربي، فحينما ظهرت جركة التنوير الأوربية ظهرت حركة التنوير اليهودية، وحينما ظهر المد القومي في أوربا ظهرت تجلياته في الفكر القومي اليهودي متمثلاً في الصهيونية. كماأوضح الكاتب أنه لايمكن فهم الأدب العبري المعاصر في فلسطين دون ربطه بالحروب التي خاضتها اسرائيل مع العرب، فانعكس تأثير هذه الحروب على المجتمع اليهودي الاستيطانيّ في فلسطين وفاقم أيضاً من الشعور بالاغتراب، وأحدثت هذه الحروب تغييرات اجتماعية وأدبية وبخاصة حرب أكتوبر.
في الموضوع الثاني "الأدب العبري والاغتراب"، بحث الكاتب عن بدايات ظاهرة الإغتراب في الأدب العبري الحديث، وحددها بمندلسون الأب الروحي للأدب العبري الذي أتت أفكاره بثمار عكسية حيث إن الأجيال اليهودية لم تكن في ذلك الوقت مؤهلة لتلقي تعديلات دينية وهي تعيش في جهالات فكرية أملاها التحكم الكهنوتي في مقدراتهم، لذا فقد نشأ قدر من البلبلة في الشخصية اليهودية كان لابد أن تظهر ثماره في أي شكل من أشكال الإغتراب في فكر الشخصية اليهودية. كما أن أدب الهسكالاه في جاليسيا كان أدباً مغترباً في شرق أورُبا لأنه كان أدباً برجوازياً لايعبر عن تطلعات الجماهير الكادحة بقدر ماعبّر عن تطلعات الطبقة البرجوازية التي قادته. وكذلك في روسيا، فالهسكالاه لم تكن حركة شعبية : فزعماءها كانوا مجموعة من اليهود الأثرياء حصلوا على ثقافة ألمانية، وبعد ذلك روسية بحكم انتمائهم العرقيّ وشعورهم بضرورة ممارسة هويتهم الأوربية بعيداً عن قيود الدين اليهوديّ. وكان "يوسف حاييم برنر" من أهم أدباء الهجرتين الثانية والثالثة الذين عبّروا عن فكرة الاغتراب في الأدب العبري ، فهو من قال السماء لاتغير الانسان"، ولازال ينقص اليهودي المهاجر الارتباط بالأرض. وشعر أبناء الهجرتين الثانية والثالثة أنهم تعلقوا بآمال واهية وأنهم اغتربوا عن ذاتهم في هذه الأرض. و"حاييم هزاز " يمثِل انتاجه الأدبي من البداية إلى النهاية انتاجاً مغترباً رافضاً للواقع اليهوديّ ، وهزاز أديب مغترب ونلمس ذلك جيداً في أعماله في فلسطين وفي أبطال هذه الأعمال "يودكا" و"الياكوتلك" و"أرسطو" و"دربكين" . واستعرض الكاتب تأثير الحروب الاسرائيلية المتوالية مع العرب منذ 1948 على تفشي ظاهرة الاغتراب في الأدب العبري وبروز ذلك في أعمال كل من "س.يزهار" و"أ.ب.يهوشواع" و"دافيد جروسمان" و"عاموس عوز" وغيرهم.
وفي الموضوع الثالث حول"الاغتراب الديني في الأدب العبري الحديث"، أوضح الكاتب جذور الاغتراب الديني في الأدب الصهيوني، وجذورها في الاغتراب التوراتي وأنماطه، وأبرز هذه الأنماط هو الاغتراب المكاني كماتجلى في قصص إبراهيم واسحاق ويعقوب. ويُعد "يهودا ليف جوردون" الملهم والأب الروحي للتمرد المغترب في الأدب العبري الصهيوني وعنه نهل كل كتاب الصهيونية، فقد رأى هذا الشاعر في القيم التوراتية نقطة الضعف الأساسية في الوجود اليهوديّ. وأوضح الكاتب أثر أفكار نيتشه الفيلسوف الألماني على أدباء العبرية بعد عصر الهسكالاه وهو مايساهم في فهم الاغتراب الديني في الأدب العبري الحديث في ذلك الوقت. وأوضح ذلك الأثر  على أفكار "ميخا يوسف برديتشفسكي" الفلسفية والدينية. وظهر تيار التمرد على الرب في الأدب العبريّ في بداية القرن العشرين عند "حاييم نحمان بياليك" وبخاصة في قصائده "أمام دولاب الكتب"، و"ميثاق النار"، وقصيدة"من أنا وماذا أنا" التي يعلن فيها انفصال الأنا عن الرب وعن الطبيعة في وقت واحد. وعند الشاعر "شاؤول تشيرنيحوفسكي" في قصائده "سونيتاه إلى الشمس" و"إلى معبد يهوديّ" و"أمام تمثال أبوللو".
وفي الموضوع الرابع حول "أزمة البحث عن الذات"، يبحث الكاتب في أثر  أحداث النازي في تشكيل العقلية الاسرائيليّة وانعكاسات ذلك في الأدب العبريّ. ويقوم  المؤلف هنا بربط محور أحداث النازي الذي أدى إلى الهجرة اليهودية إلى فلسطين وبين محور الإحباط والشعور بالاغتراب الذي أدى إلى النزوح اليهوديّ عن فلسطين. وتناول ثلاث روايات ساعمت في وجود اتجاهين : اتجاه تقريب واقع أحداث النازي من ناحية، وإضعاف دور الصبار كنموذج اجتماعيّ من ناحية أخرى، وهي روايات صدرت في سنوات مابعد محاكمة إيخمان (1961)، رواية "ليس من الآن ولامن هنا" ليهودا عميحاي (1963) و"حب الشباب" لحانوخ برطوف(1965) و"الذكرى والنسيان" لدان بن آموتس(1968) . واستعرض أعمال "أهارون أبلفيلد" الذي يعد من أكبر كتاب الأدب العبري المعاصر الذين ارتبط انتاجهم بأحداث النازي، وذلك في مجموعاته القصصية "دخان" و"صقيع في الأرض" و"في الوادي الخصيب".
أما الموضوع الخامس في الكتاب فهو "اغتراب العزلة" وهو أبرز الأنماط الإغترابية لدى اليهود، وذلك لطبيعة الدين اليهودي نفسه الذي فرض على معتنقيه العزلة والانعزال عن باقي المجتمعات بدعوى الاختيار والتعالي والتميز لدى كل من يدين باليهودية على باقي الديانات الأخرى. وأوضح الكاتب أن المصدر الأول للعزلة في اليهودية مستقى من الكتاب المقدس والقبالاه، واستعرض أهم الأعمال الأدبية التي عبّرت عن العزلة في الأدب العبريّ، فتناول المجموعة القصصية "عزلة" الخاصة بالأديبة "شولاميت هارإيفين" والتي تصف فيها الأديبة جانباً من حياة شخصيات مختلفة من الجنسين، عبرت من خلالها عن الاحساس المؤلم بالعزلة. ومن القصص التي تضمها هذه المجموعة: "عزلة"، "حب عبر الهاتف"، "مقاعدي المصنوعة من القش"، "ساعتان على الطريق"، "الشاهد"، "في الصمت". ثم تناول الكاتب أديباً آخر ظهرت العزلة في أعماله بوضوح، وهو الأديب "يورام كانيوك" ومجموعته القصصية " موت الحطاب " التي تضم القصص: "لاني تريستانو الضرير"، "حب الفتى أنتويي"، "تيمبر"، "أرض محروقة"، "في بداية صيف"، "قطة". ثم يختتم الكاتب بتناول عمل أدبي للأديب "أ.ب.يهوشواع" تتجلى فيه مظاهر العزلة بوضوح، وهو "رحلة ياتير المسائية" وهو عمل سرياليّ تجريديّ مثل معظم أعمال يهوشواع. قصة هذا العمل تتحدث عن الأبعاد التي يمكن أن تهب إليها العزلة. وهي تحكي عن قصة قرية بعيدة جداً ومعزولة، يعيش فيها أشخاص منفصلون عن كل شئ، ويشعرون بأنهم معزولون جداً ويشتاقون كل مساء لشئ مايحدث في قريتهم. فيتجمعون كل مساء بجوار محطة قطار القرية ليروا القطار السريع وهو يمر عبر قريتهم دون أن يتوقف أو يبطئ. ومع وصول عزلة أبناء القرية إلى قمتها، ينتهي لديهم القرار إلى إحداث كارثة من خلال جعل القطار يتدهور إلى الهاوية، الأمر الذي سيؤدي إلى مقتل وجرح مئات المسافرين. ويريد أبناء القرية من هذا العمل إدخال العالم الخارجي إلى قريتهم وإنهاء عزلتهم، لأن ذلك سيجعلهم يشعرون بالتجاوب مع أشخاص آخرين، أشخاص أغراب، وهكذا يرون أمامهم أناساً في حاجة إليهم، إلى مساعدتهم وإنقاذهم.
ويُختتم الكتاب بموضوع "كراهية الذات كظاهرة اغترابية"، فبدلاً من إنهاء المسألة اليهودية بإقامة الدولة، فاقمت الدولة من أزمة اليهودية، وأضافت إلى الأزمات النفسية اليهودية أزمة جديدة تسمى أزمة "كراهية الذات اليهودية". ويُفرّق الكاتب بين "كراهية الذات"و"انتقاد الذات" فالأولى تعني رفض العلاقة بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها ورفض الهوية الثقافية والتاريخية، أما الثانية فهي تهدف إلى المساهمة في تحسين حياة الأشخاص، بعد القيام بعملية تغذية راجعة لتقييم موقف الذات من الآخر. و بالتالي فهي ظاهرة صحية وليست مرضية كماهو الحال في كراهية الذات. ثم ينطلق المؤلف باحثاً عن نماذج أدبية عبرية تجلت فيها ظاهرة "كراهية الذات" ، فيبدأ ببطل رواية عاموس عوز "الوضع الثالث"(1991م) وهو البطل "فياميه"، وهي شخصية "البطل المضاد- אנטי גיבור"المنعزل. وبالاضافة إلى ذلك فالأدباء الذين انتموا إلى جيل البالماح وينتمون إلى جيل الدولة أيضاً مثل "موشيه شامير" في "حتى النهاية" (1991م)، و"بنيامين تموز"، في روايته "فندق إرميا" (1983م)، و"شلوموه نيتسان" في روايته"إمبراطورية زاميري بيكاسو" (1982م)، و"يورام كانيوك" في "حصان خشبي" (1974م)، وغيرهم، كلهم كتبوا أعمال توسطها أبطال لامنتمين، مرضى نفسيين انتهوا إلى الانتحار. وهي كلها نماذج تعاني من انفصام في الشخصية وتعيش حالة من التمزُّق النفسي الي يؤدي في النهاية إلى الانتحار. ويتناول الكاتب بالتفصيل الحديث عن كراهية الذات كما تنعكس في الأعمال الأدبية التالية: "السيد ماني"(1990م) لأ.ب.يهوشواع، و"نفس يهوديّ"(1982م) مسرحية الكاتب"يهوشواع سوبول"، و"دولي سيتي" (1992م) لأورلي كاستل بلوم، و"الملائكة قادمون"(1987م) للكاتب "يتسحاق بر نير". يصل من خلال تحليل هذه الأعمال إلى نتيجة مفادها أن انكار الذات في الأدب العبري هو تعبير عن عدم قدرة النفس الاسرائيلية على الصراع، عجز نشأ في ضوء أزمة الثقافة الاسرائيلية.
الكتاب – مثل معظم كتب د/أحمد حماد- مفيد للغاية للباحثين في مجال الأدب العبري المعاصر، ويطرح تحليلات عميقة لأعمال أدبية عبرية متنوعة عبرت عن أزمة اغتراب اليهوديّ المعاصر.             
   
أ.د/أحمد حماد مؤلف الكتاب 
 
        

تعليقات

المشاركات الشائعة